إدارة الإفتاء

خروج الدم من المرأة إذا استؤصل رحمها

خروج الدم من المرأة إذا استؤصل رحمها
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فإن موضوع خروج الدم من المرأة إذا استؤصل رحمها ، من المسائل المستجدة في الفقه الإسلامي ، بالنظر إلى استحداث مثل هذا النوع من العمليات الجراحية الذي لم بكن معروفاً قديماً ، ولذا فإنك لا تجد في المصادر الفقهية المتقدمة أو المتأخرة بياناً لحكم هذه المسألة . ولكن يمكن للباحث أن يتلمس طريقه من خلال تقريرات الفقهاء في مسائل الحيض والاستحاضة للخروج بحكم فقهي في هذه المسألة .

الدماء التي تخرج من المرأة على ثلاثة أنواع هي : دم النفاس ، ودم الحيض ، ودم الاستحاضة([1]) .

أ ) دم النفاس : هو الدم الخارج من قُبُل المرأة عند ولادتها([2]) .

وبما أن الولادة أمر يرتبط بوجود الرحم عند المرأة ؛ لأنه الوعاء الذي يحمل الجنين ، وموضوع السؤال يبين أن المرأة قد استؤصل رحمها ، فعليه يعلم يقيناً أن هذا الدم لا يمكن أن يكون دم نفاس ، لانتفاء قدرتها على الحمل والولادة ، فيكون هذا النوع من الدماء خارجاً نطاق بحثنا .

ب) دم الحيض : لا تكاد تختلف عبارة فقهاء المذاهب في تعريف الحيض؛ فيرى الحنفية أن دم الحيض : هو الدم الخارج من الرحم ، الممتد إلى وقت معلوم([3]) . 

وعند المالكية هو : دم كصفرة أو كُدْرَة خرج بنفسه من قُبُل من تحمل عادة وإن دفعة ([4]) .

أما الشافعية فقالوا : الحيض هو الدم الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحة من غير سبب الولادة([5]). ثم قالوا : الدم الخارج من الرحم إن كان خروجه بلا عِلَّة بل جِبِلَّة ، أي تقتضيه الطباع السليمة فهو دم حيض.

فيكون ذِكْر (فرج المرأة) في التعريف لبيان مكان ظهوره لا أصل مصدره الذي هو الرحم .

وأما الحنابلة فيعرِّفون الحيض بقولهم : دم يرخيه الرِّحم إذا بلغت المرأة ، ثم يعتادها في أوقات معلومة([6]).

وبناء عليه يُعلم أن الفقهاء متفقون على أن أصل دم الحيض ينشأ في الرحم ، إلا أن بعض فقهاء المذاهب يحدد موضعه من الرحم بصورة أدق فيقولون : دم جبلة أو طبيعة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة من غير سبب ولادة([7]) .

أما من الناحية الطبية التشريحية ، فدم الحيض ينتج بسبب تخلص الرحم بشكل دوري من بطانته الداخلية التي تتجدد بشكل دوري في دورة هرمونية ، وأغلب هذه البطانة الداخلية تحتوي على خلايا الدم مع بعض الخلايا الجدارية والسوائل المخاطية ، فالحيض بذلك غير مرتبط بالتبويض، حيث يحدث الحيض بشكل طبيعي حتى في الدورات غير التبويضية([8]) .

ومعني أن يتم استئصال الرحم فإن المرأة تصبح غير قادرة على الحمل، ويؤدي أيضاً إلى توقف الدورة، وإذا تم استئصال المبيضين مع الرحم فسوف تشعر المرأة بأعراض فترة انقطاع الدورة([9]) .

وتأسيساً على ما سبق يمكن القول :

أولاً : إن دم الحيض دم جِبِلِّي طبيعي غير ناشئ عن عِلَّة أو مرض ولا ولادة .

ثانياً : إن مصدر دم الحيض هو الرَّحم ، وتحديداً الجدار الداخلي المبطن للرحم ، وهو ما عبر عنه الفقهاء بأقصى الرحم أو قعره .

ثالثاً : إن دم الحيض علامة على بلوغ الأنثى . فلو كانت الأثنى في سن دون البلوغ ورأت دماً فلا يعد ذلك الدم دم حيض .

رابعاً : إن دم الحيض يخرج في أوقات معلومة تعود شهراً بعد شهر .

خامساً : إن استئصال الرحم بعملية جراحية يمنع نزول دم الحيض على المرأة بسبب انعدام محله([10]) .

ج) دم الاستحاضة : يقول الحافظ ابن حجر : «الاستحاضة : جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه ، وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل»  ([11]) .

قال أبو عبيد : العاذل اسم العرق الذي يخرج منه دم الاستحاضة([12]) .

وهذا التعريف يتوافق إلى حدٍّ ما مع ما ذكره فقهاء المذاهب الأربعة .

فعند الحنفية الاستحاضة دم عِرْقٍ ، ولا مدخل للرحم فيه([13]) .

وقال المالكية : سيلان دم في غير أيام زمن الحيض والنفاس من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل([14]) .

وعند الشافعية : دم عِلَّة يخرج من أدنى رحم المرأة من عرق يقال له العاذل([15]) .

وقال الحنابلة : سيلان دم عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل([16]) .

ويبدو للمتأمل أن بين تعريف الحنفية والجمهور فرقاً دقيقاً يتعلق بأصل خروج دم الاستحاضة ؛ فالحنفية يرون أن لا مدخل للرحم في دم الاستحاضة وإنما هو دم يخرج من الفرج ، في حين أن الجمهور يرون أن الاستحاضة عرق في أدنى الرحم .

ولعل هذا الاختلاف بين التعريفين راجع إلى تعدد أسباب خروج دم الاستحاضة ، فهو قد يكون ناتجاً عن انفجار عرق في أدنى الرحم ، وهو ما يطلق عليه طبياً منطقة عنق الرحم ، أو قد يكون بسبب آخر في الفرج أو ما يطلق عليه طبياً المهبل .

ولذا فإننا نجد أن الندوة الثالثة للفقه الطبي المنعقدة في الكويت قد نصت على أن كل دم مَرَضيٍّ غير سَوِيٍّ يُسمى استحاضة ، وأن أسبابه شتى([17]) .

ويؤكد هذا الدكتور محمد محمد الحناوي فيقول : بعد استئصال الرحم قد يحدث نزيف لأسباب تتعلق بالمهبل نفسه ، أما في بعض حالات استئصال الرحم جزئياً حيث يترك عنق الرحم ، ففي هذه الحالة فإن أي نزيف يحدث قد يكون نتيجة عنق الرحم أو المهبل([18]) .

وبناء عليه يُعلم أن الدم إذا خرج من المرأة بعد استئصال رحمها كلياً أو جزئياً([19]) ، لا يمكن أن يكون دم حيض .

وهل هو دم استحاضة أو يأخذ حكم الرطوبة والكُدْرة والصُّفْرة ؟

فعلى قول الجمهور هذا الدم يأخذ حكم الكدرة والصفرة والرطوبة الخارجة من فرج المرأة([20]) ؛ لأن دم الاستحاضة عندهم يخرج من أدنى الرحم ، واستئصاله كلياً أو جذرياً يستحيل معه كون الدم استحاضة لتعذر محله وهو أدنى الرحم .

وعلى قول الحنفية يأخذ حكم دم الاستحاضة ؛ لأنهم ميَّزوا دم الاستحاضة عن الحيض بكون الأول يخرج من الفرج لا من الرحم ، والثاني يخرج من الرحم .

وسواء اعتبرنا الخارج من المرأة بعد استئصال الرحم دم استحاضة أو في حكم الكدرة والصفرة والرطوبة، فإن المرأة في الحالين لا تتركْ الصلاة ولا الصيام ، ولا يمتنعْ جماعها ، ولا يجبْ غسْل من هذا الدم، ولكن يلزمها عند الصلاة غُسْل الدم ، وأن تُعَصِّبَ على الفرج خِرْقة ونحوها ؛ لتمنع خروج الدم ، ثم تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها أو إرادة فعل الصلاة النافلة . والله تعالى أعلم .

 

وحدة البحث العلمي

إدارة الإفتاء

_______________________________________

 

([1]) انظر : كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (1/143) .

([2]) انظر : المبسوط للسرخسي (3/210) ، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/375) ، المجموع للنووي (2/474)، عمدة الفقه لابن قدامة (ص38) .

([3]) تحفة الفقهاء (1/33) . وانظر : المبسوط (3/147) ، وبدائع الصنائع (1/152) .

([4]) مواهب الجليل (1/356) .

([5]) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (1/143) .

([6]) المغني لابن قدامة (2/386) .

([7]) انظر : مغني المحتاج (1/108) ، كشاف القناع (1/196) .

([8]) انظر : موقع ملتقى الأطباء العرب /القسم الطبي / النساء والولادة ، (مقال بعنوان : داء بطانة الرحم الهاجرة) .

([9]) انظر : www.medsy.net/women/women

([10]) انظر ما يؤيد ذلك فتوى لمركز الفتوى في الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله بافقيه .

([11]) فتح الباري (1/478) .

([12]) غريب الحديث (4/234) .

([13]) مجمع الأنهر (1/52) ، مراقي الفلاح (ص148) .

([14]) حاشية العدوي (1/118) ، الثمر الداني (ص22) .

([15]) مغني المحتاج (1/108) ، حاشية قليوبي وعميرة (1/98) .

([16]) المبدع شرح المقنع (1/274) ، كشاف القناع (1/196) .

([17]) الحيض والنفاس والحمل ، د. عمر الأشقر (ص35) .

([18]) انظر : www.geocities.com/hennawyobgynnet/hysterectomy.htm

([19]) عمليات استئصال الرحم من الناحية الطبية تتخذ عدة صور :

الصورة الأولى : استئصال رحم جزئي  ؛ ويتم فيه استئصال الرحم ويترك عنق الرحم والمبيضين وقناتي فالوب.

الصورة الثانية : استئصال رحم كلي ؛ ويتم فيه استئصال الرحم وعنق الرحم ويترك المبيضين وقناتي فالوب.

الصورة الثالثة : استئصال رحم جذري ؛ ويتم فيه استئصال الرحم  وعنق الرحم والمبيضين وقناتي فالوب.

انظر : المصدر السابق .

([20]) انظر : رسالة في الدماء الطبيعية ، للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص45)

وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء